المنهج المقارن في البحث العلمي
المنهج هو الطريقة التي يتبعها العقل في دراسة موضوع ما والوصول إلى قانون عام أو مذهب جامع، وهو فن ترتيب الأفكار ترتيباً دقيقاً بحيث يؤدي إلى كشف حقيقة، وقد تعددت المناهج التي يمكن للباحث أن يتبعها فمنها التاريخي والوصفي والتجريبي والمنهج المقارن والذي هو موضوع دراستنا والتي من خلالها سنتعرف على المقصود بالمنهج المقارن وظهوره التاريخي وأنواعه وعلاقته ببعض العلوم الأخرى.
ما هي خصائص المناهج العلمية؟
- العمل المنظم وذلك عبر مراحل متسلسلة ومترابطة اعتماداً على الملاحظة والحقائق العلمية.
- الموضوعية والبعد عن التحيز.
-
- المرونة وتعني قابلية التعديل مع مرور الزمن لتواكب التطورات التي تطرأ على العلوم المختلفة.
- إمكانية التثبت من نتائج البحث بطرق وأساليب علمية معترف بها.
- التعميم ويعني الاستفادة من نتائج البحوث العلمية في دراسة ظواهر أخرى مشابهة.
- القدرة على التنبؤ ويعني إمكانية وضع تصور لما يمكن أن تكون عليه الظواهر في المستقبل.
ما هي الأصول التاريخية للمنهج المقارن؟
تمتد أصول المقارنة تاريخياً إلى العصر القديم فقد طبق أرسطو طريقة المقارنة في مجتمعات معاصرة له تطبيقاً محلياً وعبر الأقاليم ليشمل القارات فتبين له من خلال المقارنة أن هناك ظواهر متشابهة في مجتمعات معينة في أسيا مثلاً وظواهر متشابهة خاصة بمجتمعات أخرى في مناطق البرودة في أوروبا، كما استخلص وجود ظواهر خاصة داخل كل قارة.
كما قام ابن خلدون باستخدام المقارنة حيث قارن بين ألوان البشر في المناطق الحارة وبين ألوان أقرانهم في المناطق المعتدلة أو الباردة.
وقارن ابن رشد بين كفاءات الرجال والنساء في خدمة المجتمع، واستنتج أن النساء لديهم قدرات معينة شبيهة بالرجال ولكن الرجال يتحملون العبء الأكبر من العمل وأرجع سبب إرهاق الرجال في الكثير من الأعمال إلى أن المجتمع لم يساوي بين الرجل والمرأة وبالتالي كان العبء الأكبر على الرجل.
ما هو مفهوم المقارنة وتعريفها؟
المقارنة لغةً:
هي المقايسة بين ظاهرتين أو أكثر ويتم ذلك بمعرفة أوجه الشبه والاختلاف.
المقارنة اصطلاحاً:
هي عملية عقلية تتم بتحديد أوجه الشبه والاختلاف بين حادثتين اجتماعيتين أو اقتصاديتين أو أكثر، تستطيع من خلالها الحصول على معارف أدق لنميز بها موضوع الدراسة أو الحادثة في مجال المقارنة والتصنيف، وهذه الحادثة يمكن أن تكون كيفية قابلة للتحليل أو كمية لتحويلها إلى كم قابل للحساب، وتكمن أهميتها في تمييز موضوع البحث عن الموضوعات الأخرى وهنا تبدأ معرفتنا له.
وبالتالي فالمقارنة هي نوع من البحث يهدف إلى تحديد أوجه التشابه والاختلاف بين ظاهرتين أو أكثر أو بالنسبة لظاهرة واحدة ولكن ضمن فترات زمنية مختلفة.
ما هي شروط المقارنة؟
- يجب ألاّ تركز المقارنة على دراسة حادثة واحدة بتجرد أي دون أن تكون مربوطة بالتغيرات والظروف المحيطة بها، وإنما يجب أن تستند المقارنة إلى دراسة مختلف أوجه الشبه والاختلاف بين حادثين أو أكثر.
- يجب على الباحث أن يجمع معلومات دقيقة إذا كانت المقارنة معتمدة على دراسة ميدانية، وقد تكون الدراسة حول ظاهرة لا يمكن أن تُبحث بشكل ميداني كالمقارنات التاريخية.
- أن تكون هناك أوجه شبه وأوجه اختلاف، فلا يجوز أن نقارن ما لا يُقارن، فلا نستطيع أن نقارن أثر التضخم على الوضع المعيشي مع أثر التدخين على الصحة.
- تجنب المقارنة السطحية إنما الغوص في الجوانب الأكثر عمقاً لفحص وكشف طبيعة الواقع المدروس وعقد المقارنات الجادة والعميقة.
- أن تكون الظاهرة المدروسة مقيدة بعاملي الزمان والمكان لنستطيع مقارنتها بحادثة مشابهة في مكان آخر أو زمان آخر أو زمان ومكان آخرين.
ما هي أنواع المقارنة المستخدمة في المنهج المقارن؟
المقارنة المغايرة:
هي المقارنة بين حادثين اجتماعيين أو اقتصاديين أو أكثر وتكون أوجه الاختلاف فيها أكثر من أوجه الشبه.
المقارنة الخارجية:
هي مقارنة حوادث اجتماعية أو اقتصادية متباعدة أو مختلفة عن بعضها، مثل المقارنة بين بلد يتبع النظام الاشتراكي وآخر يتبع نظام اقتصاد السوق الحرة، وتُؤخذ في هذه الحالة تأثير كل من الحالتين على جانب واحد مثل التنمية الاقتصادية.
المقارنة الداخلية:
تدرس حادثة واحدة فقط في زمان معين ومكان معين ولكن بالمقارنة بين أسباب هذه المشكلة للتوصّل إلى الأسباب الأكثر ترجيحاً والتي يمكن أن تكون هي الأسباب الرئيسية لها، مثل دراسة ظاهرة التضخم في بلد ما وزمان محدد لمعرفة الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة.
المقارنة الاعتيادية:
هي المقارنة بين حادثين أو أكثر من جنس واحد تكون أوجه الشبه بينهما أكثر من أوجه الاختلاف، مثل المقارنة بين تغير أذواق المستهلكين بين منطقتين ضمن نظام حكم وتأثيرات اقتصادية واحدة ولكن يختلفان عن بعضهما بأمور بسيطة مثل درجة التمدن.
ما هي أبعاد المنهج المقارن؟
بعد تاريخي (زماني):
في هذا البعد تتم دراسة الظاهرة نفسها ولكن في فترتين زمانيتين مختلفتين وذلك من خلال تحليل الظاهرة في كلتا المرحلتين ثم اعتماد إحداها كنقطة معيارية يتم الرجوع إليها للمقارنة بها.
بعد مكاني:
هنا نقارن بين الظاهرة في مكان معين وتواجدها في مكان آخر وذلك في نفس الفترة الزمنية.
بعد زماني ومكاني:
يقارن بين تواجد الظاهرة في مكان ما وزمان معين مع تواجدها في أمكنة أخرى وأزمنة أخرى متباينة.
ما هي أشكال المقارنة؟
المقارنة الكيفية:
تشمل عملية المقارنة الكيفية شكلين أساسيين: يعتمد الأول على جمع المعلومات حول مواضيع الدراسة عن كثب والتعرف على صفاتها وأوصافها ومن ثم المقارنة بينها على النحو المطلوب من تلك الدراسة. أمّا الشكل الثاني فيكتفي فيه الباحثون بجمع الأخبار عن طريق الكتب والمقالات حول الظاهرة المدروسة والقيام بالتعليق على تلك الأخبار ومناقشتها اعتماداً على مخزون علمي لديهم حول الظاهرة المدروسة.
المقارنة الكمية:
تقوم المقارنة الكمية على حصر حالات الظاهرة بعدد أو كم معين، وهنا تبرز أهمية الإحصاء ودوره في ضبط ذلك الحصر بدقة ووضوح.
ما هي الطرق المتبعة في المنهج المقارن؟
التلازم في الوقوع:
هذه الطريقة تنطلق من مبدأ أن تشابه الظروف المؤدية إلى نفس النتيجة في أحداث أو ظواهر مختلفة يجعل منها السبب الرئيسي في ذلك.
التلازم في الوقوع وعدم الوقوع:
تقوم هذه الطريقة على مبدأ توافر عامل مشترك أو أكثر بين حالتين من الحالات التي تحدث فيها الظاهرة بينما لا تكون بين حالتين أو أكثر من الحالات التي لا تحدث فيها الظاهرة، وبالتالي فإن وجود هذا العامل في المرة الأولى وعدم وجوده في المرة الثانية مع اختلاف النتيجة يجعل هذا العامل السبب الرئيسي في ذلك.
التلازم في عدم الوقوع:
يكون ذلك بملاحظة تكرار غياب الظاهرة في مرات أو أمكنة متعددة، فان رافق هذا الغياب عنصر معين في كل هذه المرات على حين أن العناصر الأخرى قد تغيب حيناً وتظهر حيناً آخر يعتبر ذلك دليلاً على أن العنصر المفترض هو سبب حدوث الظاهرة.
تلازم التغير في السبب والنتيجة:
هذه الطريقة تتمثّل في أن النتيجة تزداد بازدياد المسبب وتنخفض كلما انخفض المسبب.
طريقة العلاقات المتقاطعة:
إذا كان هناك سببان 1,2 وكان هناك نتيجتان 3,4 فإذا استطعنا إيجاد علاقة بين السبب 1 والنتيجة
3 فإننا نستطيع أن نتوقع وجود علاقة بين السبب 2 والنتيجة 4 وهكذا.
ما هي الصعوبات التي تواجه المنهج المقارن؟
- من الصعب أحياناً تحديد السبب من النتيجة أو العلة من المعلول خصوصاً
إذا ما كان التلازم بينها هو تلازم قائم عل الصدفة وليس تلازماً سببياً.
- لا ترتبط النتائج غالباً بعامل واحد بل تكون حصيلة مجموعة من العوامل المتداخلة والمتفاعلة مع بعضها البعض.
- قد تحدث ظاهرة ما نتيجة لسبب ما في ظرف معين وقد تحدث هذه الظاهرة نتيجة لسبب آخر يختلف عن السبب الأول في ظرف آخر.
- لا يمكن في حالة المنهج المقارن ضبط المتغيرات المختلفة والتحكم بها كما هو الحال في المنهج التجريبي
لذلك فإن المنهج المقارن لا يُوصل لنفس دقة النتائج التي يمكن تحقيقها في حالة المنهج التجريبي.
خاتمة
مما سبق نستنتج أهمية المنهج المقارن في البحث العلمي وعلاقته بالعلوم الأخرى، فمنهج علم الاجتماع هو منهج مقارنة بالدرجة الأولى يعتمد على الإحصاء والخطوط البيانية لتأخذ شكلاً رياضياً، ولقد ساعد المنهج المقارن بشكل كبير في تطور علم السياسة واستخدمته العديد من الدول من أجل المقارنة بين الأنظمة السياسية لمدنها، كذلك تهتم دراسة القانون المقارن بمقارنة قوانين بلدان مختلفة لأجل معرفة أوجه الشبه والاختلاف بين هذه القوانين.
اقرأ ايضا