المنهج العلمي في الدراسات الاجتماعية والإنسانية
- يناير 5, 2020
- البحث العلمي, مناهج البحث العلمي
يختلف المنهج العلمي في الدراسات الاجتماعية والإنسانية عن غيره من المناهج العلمية المستخدمة في الدراسات المرتبطة بالعلوم الطبيعية، والمعنيُّ بالاختلاف هنا الأصالة في الاستخدام، وبصورة أكثر توضيحًا استخدام منهج بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويُعرف المنهج العلمي على أنه طريقة تساعد الباحث في معرفة الحقائق، وتلك الفكرة بدأت من مراحل ما قبل الميلاد، وتزعَّمها مجموعة من علماء اليونان القُدامى، مثل: أفلاطون، وإقليدس، وفيثاغورس، وسقراط، وأرسطو، وبالطبع ذلك المُؤصَّل لدينا، ولكن لا ينبغي إهمال فكرة وجود المنهج العلمي لدى حضارات قديمة أخرى، مثل: الحضارة الفرعونية، والبابلية، والآشورية، والفينيقية، أو حتى الهندية، والصينية، والشاهد في ذلك هو وجود مُنجزات تدعم تلك الفكرة على أرض الواقع، وربما لم يكن لتلك الحضارات نصيب في ترك مادة تاريخية واضحة توضع طبيعة ما استخدم من مناهج.
ما الفرق بين المنهج العلمي Method وعلم المناهج “Methodology”؟
• المنهج العلمي “Method” يُعرف بكونه أسلوبًا يستهدف دراسة مشكلة بطريقة منظمة، والمُضي قُدُمًا في وضع نتائج ذات قرائن، مع وجود براهين قوية تدعم ذلك،
ومن الناحية التاريخية فإن ذلك العلم استخدمه فلاسفة اليونان القديمة، وكذا العلماء العرب والمسلمون،
وظهر ذلك في صورة مناهج مختلفة، مثل المنهج الجدلي لأفلاطون، والتمثيلي لأرسطو،
أما من الناحية النظرية الحديثة فظهر ذلك في القرن السابع عشر، وعلى يد الفيلسوف فرانسيس، في فترة 1561-1626م،
ولم يكن ذلك هو المُنتهى، فكان هناك الجديد في مراحل تالية على يد رينيه ديكارت، وويليام توماس، ودور كايم، وهارس ويرسل، وكلود برنار، ومورين، وستيوارت تشابلن.
• علم المناهج (الماثودولجي) “”Methodology، أو كما يُعرف بمعنى آخر “فلسفة العلم”، وهو العلم الذي يختص بتأسيس طرق منهجية لدراسة جميع أنماط العلوم،
وواضع أسس لذلك العلم هو جون ستيورت ميل في كتابة المنطق 1898م، وقام العالم نجل بوضع قواعد أكثر توسُّعًا وشمولية بمرحلة لاحقة في عام 1961م.
ما طبيعة المنهج العلمي في الدراسات الاجتماعية والإنسانية؟
الدراسات الاجتماعية أو الإنسانية تتطلب منهجًا علميًّا ذا طابع مُغاير للمناهج العلمية التي تُستخدم في مُعالجة البحوث الطبيعية،
فهي إشكاليات ترتبط بالخصائص والسلوك والتوجهات في المقام الأول، ومن الصعب قياسها بشكل كمِّي،
والبيانات التي يقوم الباحث بجمعها في تلك الحالة بيانات اسمية NOMINAL، مثل الجنس البشري: ذكر، أو أنثى، ولا تُوجد أفضلية في الترتيب،
أو ترتيبية ORDINAL، مثل: تقديرات الدراسة في الجامعات (ضعيف/ مقبول/ جيد/ جيد جدًّا/ ممتاز)، وغير ذلك من الأمثلة،
وسيقتصر تفصيلنا على المنهج العلمي الوصفي في الدراسات الاجتماعية والإنسانية على اعتبار أنه الأكثر استخدامًا،
وبصورة مباشرة في تلك النوعية من الدراسات:
المنهج الوصفي (النوعي):
• طبيعة المنهج الوصفي: يُعتبر المنهج الوصفي من أبرز المناهج العلمية على الوجه العام، ويعتمد على توصيف الظاهرة والإشكالية بكل دقَّة وبهيئتها في الطبيعة،
والقيام بمُعالجتها وفقًا لخطوات منهجية مُصطلح عليها؛ من أجل وضع الاستنتاجات.
• أهداف المنهج الوصفي: من أبرز أهداف المنهج الوصفي التعرف على طبيعة الظاهرة في الحاضر،
واستكشاف المستقبل أو التنبؤ، وإيجاد حلول مثالية تحدُّ من السلبيات،
كما يمكن عن طريقه التعرف على طبيعة العلاقة بين المتغيرات، وإجراء المقارنات،
وتجميع كمٍّ كبير من البيانات وبصورة حقيقية وتفصيلية.
• الوصف عند المسلمين والعرب القُدامى: كان للعرب دور مهم في وضع اللبنات الأولى لكثير من المناهج العلمية التي أصبحت نظريات تُدرس في المعاهد والجامعات،
ومن بين ذلك المنهج الوصفي، ولقد اتَّسم الوصف عند العرب بالمنهجية، سواء في العلوم الطبيعية،
ونرى في ذلك مؤلفات ابن سينا، وابن النفيس، وابن الهيثم، والطبري، وأبي إسحاق العبادي،
أما فيما يتعلق بالعلوم الاجتماعية والإنسانية، فإن المنهج الوصفي كان له يد عُليا في تأصيل كثير من المعارف،
مثل الجغرافيا، ونرى في ذلك كتاب المسالك والممالك لابن خرداذابة، وكتاب شبه الجزيرة العربية لابن حايك الهمداني، وكتاب البلدان لليعقوبي، وفي توصيف رحلات ابن بطوطة الجغرافية، وكذا كتب ابن جبير الكناني،
وبالطبع يوجد عدد لا حصر له من المؤلفات العربية والإسلامية ذات الطابع الوصفي.
• نشأة المنهج الوصفي كنظرية: ظهر الوصف منذ قديم الأزل كطريقة لنعت شخص أو شيء أو التعبير عن المشاعر الداخلية أو التصورات العقلية،
بمعنى أن للوصف يمكن أن يكون لشيء مادي، أو معنوي، والمنهج الوصفي كعلم ظهر من خلال ما أصلة العالم فريدريك لوبلاي،
الذي اهتم بوضع دراسات وصفية للظروف الاجتماعية والاقتصادية للعمال في دولة فرنسا خلال الفترة من (1806-1882م)،
وبالطبع لم يكن ذلك هو نهاية المطاف، وأسهم كثير من العلماء في القرن العشرين بتطوير ذلك المنهج، ووضع مناهج أخرى تتبعه؛
لتعالج السلبيات التي اتَّسمت بها الهيئة الكلاسيكية لذلك المنهج.
تطور استخدامات المنهج الوصفي:
بتطور علم المناهج ظهر كثير من التوجهات لاستخدام ذلك المنهج في بعض الدراسات ذات الصلة بالعلوم الطبيعية،
بالاشتراك مع مناهج أخرى كمية، والهدف من ذلك هو مُعالجة الجوانب الوصفية التي قد تشوب تلك الدراسات.
• العيِّنة في المنهج الوصفي: يعتمد المنهج الوصفي على اختيار الباحث لعيِّنة بحث، أو دراسة المجتمع الذي يمثل الظاهرة بأكملها،
وذلك في حالة كونه محدودًا، والشاهد أن العيِّنة هي الأسلوب الشائع في المناهج الوصفي، وطريقة اختيار الباحث للعيِّنة تكون من خلال استخدام طريقة العيِّنة الاحتمالية،
وفي تلك الحالة يكون لجميع مفردات عيِّنة البحث نفس فرصة الظهور في العينة،
وكذا يمكن أن يستخدم الباحث طريقة العيِّنة غير الاحتمالية، وفيها يختار الباحث أفراد العيِّنة بصورة انتقائية أو عمدية،
ويلجأ الباحث لذلك في حالة توافُر خبرات لديه، ومن ثم اختيار المفردات المناسبة للبحث،
والتي تتوافر فيها الخصائص والسمات التي يبحث عنها.
المنهج العلمي الوصفي والإحصاء:
إن المُتتبِّع لعلم الإحصاء يجده يرتبط بالمنهج العلمي الوصفي وبشدة
وبحاجة مُلحَّة لتبويب وتصنيف وتحليل البيانات النوعية التي يجمعها الباحث،
ومن ثم استخدام معادلات الإحصاء، واختصار المعلومات، والخروج بمدلولات تساعد في صياغة النتائج، ووضع تفسيرات مُقنعة لها.
• شُعَب المنهج الوصفي: المنهج الوصفي شُعَب متنوعة، ومنها: منهج العلاقات المُتبادلة، والمنهج النمائي، ومنهج الدراسات المسحية،
وكل صنف من السابق ذكرها له شُعَب هو الآخر.
• خطوات المنهج الوصفي: يتبع الباحث مجموعة من الخطوات عند استخدام المنهج الوصفي،
وهي: ملاحظة الظاهرة، وتحديدها، ثم وصفها بأسلوب علمي دقيقة،
ويلي ذلك قيام الباحث باقتراح فرضيات البحث،
ثم القيام بعملية جمع بيانات ومعلومات بصورة مُستفيضة، ويكون ذلك من خلال أشخاص عيِّنة البحث،
وعبر استخدام أدوات دراسة مختلفة مثل: الاستبيان، والملاحظة، والاختبارات، والمقابلة،
وأخيرًا يقوم الباحث بتدوين النتائج التي يبلغها.
وفي نهاية حديثنا عن المنهج العلمي في الدراسات الاجتماعية والإنسانية؛ حري بنا أن نوضح كون تلك النوعية من الدراسات يُستخدم فيها غالبًا أكثر من منهج؛ فنجد تداخُلًا فيما بين المنهج الوصفي (المنهج الأصيل) وبين مناهج أخرى، مثل: المنهج التاريخي، والتحليلي، والاستدلالي، وغيرها، ويكون ذلك حسب موضوع البحث، والجوانب التي يرغب الباحث في دراستها.
عن المدونة
مدونة موقع رسائل الماجستير و الدكتوراة تهدف الى انماء ثقافة الزائر بكل ما يختص بالمجال الاكاديمي و الدراسات العليا و مساعدة الطلاب من مختلف المراحل الدراسية. يشرف على المدونة اكادميين و مختصين بمجال الدراسة الجامعية و التعليم
اطلب خدمة
تواصل معنا الآن لطلب الخدمة التي تبحث عنها من مجموعة خدمات موقع رسائل الماجستير و الدكتوراة