المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية

المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية

صرَّح “فرانسيس بيكون” عالم الطبيعيات في أحد الأيام قائلًا: “المعرفة تعني القوة”، وكان يقصد بذلك المعرفة التي تستمدُّ جودتها من استخدام المنهج العلمي، وتوظيفه بصورة صحيحة، داحضًا بذلك المناهج العلمية القديمة التي كانت تعتمد على القياس، والتأمُّل الفكري، واضعًا يديه على سر ربما لم يكُن هو مُكتشفه الأول، غير أن الدور العظيم الذي قام به يتمثَّل في تنظيم وتفسير الطريقة التجريبية كإحدى الوسائل المُنضبطة، التي تُساهم في بلوغ الباحث لنتائج سلمية قدر المستطاع، وسار على الدرب كثير من العلماء واضعين نُصب أعينهم تطوُّر المجتمعات، والخروج من غيابات الظلام، والكهف المُظلم الذي كانت تعيشه أوروبا في العصور الوسطى، وفي النهاية لن يبلغ الإنسان الكمال، فالعلم الشامل المحيط لدى المولى – سبحانه وتعالى – وما يقوم به البشر ما هي إلا اجتهادات، وسنتطرق في مقالنا إلى المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية.

نظرة حول مفهوم المنهج العلمي:

  • المنهج العلمي هو السبيل لبلوغ المعرفة والحقيقة فيما يخص الظواهر الطبيعية والاجتماعية،

وتحديد العلاقات بين المتغيرات البحثية، بهدف بلوغ النظرية أو القانون أو علاج مشكلة ذات صلة بالحياة المجتمعية،

وبما يضمن وجود الإنسان.

  • يعرف المنهج من الجانب اللغوى كونه طريق واضح، والجمع (مناهج ونهوج ونهج)،

وجاء لفظة المنهج في القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم: (كل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا) صدق الله العظيم،

وجاء في حديث العباس بن عم النبي صلى الله عليه وسلم: “لم يمُت رسول الله؛ حتى ترككم على طريق ناهجة”، بمعنى طريق واضح بيِّن.

  • يُعرف المنهج من الناحية الاصطلاحية كونه أسلوبًا وطريقة للاستقصاء والوصول للنتائج المتعلقة بظاهرة أو قضية معينة،

وترجمة كلمة المنهج للإنجليزية هو method، وتعني الكيفية أو الأسلوب.

المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية موقع اعداد رسائل الماجستير والدكتوراه

تطور المنهج العلمي:

  • المُتتبِّع لتعريف المنهج العلمي من الناحية اللغوية والاصطلاحية، يكتشف ظهوره منذ القدم بالتطبيق على كثير من العلوم التي تطورت على مراحل زمنية متتابعة،

ومن أشهر علماء المنهجية القُدامى “أرسطو” صاحب المنهج التمثيلي، و”أفلاطون” صاحب المنهج الجدلي.

  • جاء فرانسيس بيكون ورينيه ديكارت في القرن الخامس عشر ليقدم معارف جديدة في يخص علم المناهج الميثودولوجيا methodology،

فلقد اهتموا بالتجريب والملاحظة العلمية في سبيل التوصل للحقائق،

وهدموا أسس القياس والاستقراء القديمة التي كانت تعتمد على بدء دراسة الإشكاليات والظواهر العلمية من خلال البحث في المؤكدات، وانتهاء بالتطبيق على جُزئيات المشكلة.

  •  علم المناهج أو المنحى المنهجي methodology”” يختصُّ بدراسة طرق ومبادئ وإجراءات الوصول للمعرفة،

واستخدام كثير من المكونات ومن بينها الجمع والنقد، والاستقراء، والتفكيك،

بالإضافة إلى الجوانب الإجرائية التي تتمثل في طرح الأسئلة وصياغة الفرضيات، واختبارها في سبيل التحقق من صحتها.

ما العلوم الاجتماعية؟

تدرس العلوم الاجتماعية ما يرتبط بخصائص وسمات الإنسان، وعلاقة الفرد مع ما يُحيط به من مجتمع،

ومن بين ذلك علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الاقتصاد، وعلوم اللغة، والقانون، والآثار، والعلوم السياسية، والإدارة… إلخ، ويُطلق عليها بمسمى آخر العلوم الإنسانية.

ما طبيعة المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية ؟

يُستخدم في العلوم الاجتماعية منهج واحد أو أكثر، ومن أبرز هذه المناهج:

المنهج الوصفي:

يستهدف المنهج الوصفي تحديد مشكلة معينة، وقيام الباحث بوصفها في الطبيعة،

وجاء ذلك المنهج ليحل كثيرًا من الإشكاليات الاجتماعية، التي لا يمكن استخدام طرق القياس في التوصل إلى كُنهها،

وهناك عديد من المناهج الأخرى التي تفرعت من المنهج الوصفي لسد الثغرات، ومعالجة السلبيات في جمود ذلك المنهج بصورته الكلاسيكية،

ومن أبرز هذه المناهج:

 المنهج الوصفي المسحي: وينقسم ذلك المنهج إلى منهج تحليل العمل، ومنهج المسح الاجتماعي،

ومنهج دراسة الرأي العام، والمنهج المدرسي أو التربوي، منهج تحليل المحتوى.

منهج دراسة العلاقات: وينبثق من ذلك المنهج كل من: منهج دراسة الحالة الواحدة، والمنهج الوصفي الارتباطي، والمنهج المقارن.

المنهج التتبُّعي: وينقسم ذلك المنهج إلى منهج دراسة الاتجاهات، ومنهج الدراسات النمائية.

تعرف بالتفصيل على المنهج الوصفي

المنهج التاريخي:

يُعتبر المنهج التاريخي أحد المناهج العلمية المستخدمة في العلوم الاجتماعية، وذلك بالتزامن مع المنهج الوصفي،

والهدف من ذلك هو مُعالجة القصور الذي يشوب المنهج الوصفي كونه منهجًا ساكنًا يبحث الظاهرة كما هي في الطبيعية،

ويتطلب المنهج التاريخي البحث في المصادر والمراجع والدراسات السابقة وتتبُّع المشكلة بدقَّة،

ومن خلال ذلك يتم تقويم المعلومات والبيانات التي يحصل عليها الباحث، واختيار الصحيح منها، واستبعاد المعيب، ومن ثم صياغة النتائج في نهاية الدراسة.

المنهج التجريبي:

يُعد المنهج التجريبي من بين المناهج المستخدمة في العلوم الاجتماعية، ولا يكون ذلك بصورة مباشرة،

بمعنى استخدامه كعُنصر ثانٍ أو ثالثٍ، حيث إن العلوم الاجتماعية يناسبها الوصف أكثر من غيره،

إلا أن حاجة الباحث للمنهج التجريبي قد تحدث في حالة الرغبة بإجراء تجربة على مجموعة من المفحوصين، والتعرف على الخصائص المتعلقة بالظاهرة محل البحث العلمي.

ما هي أبرز أدوات البحث المستخدمة في المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية ؟

الاستقصاء (الاستبيان):

  • يأتي الاستقصاء أو الاستبيان في مقدمة أدوات البحث أو الدراسة المستخدمة في المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية ،

وهو عبارة عن نموذج يصممه الباحث، ويحتوي على تساؤلات لتقصي المعلومات من المفحوصين.

  • هناك أنواع مختلفة من الاستقصاء، ومن أهمها

الاستقصاء المغلق، ويحتوي على أسئلة يحدد الباحث إجابات لها، ويختار المفحوصين الإجابة التي تناسب رأيهم،

والاستقصاء المفتوح، ويتضمن تساؤلات مفتوحة، ويترك الباحثة مساحة لإجابة المفحوصين عنها،

والاستقصاء المفتوح المغلق، وهو يحتوي على نوعي الأسئلة المغلقة والمفتوحة،

وهناك الاستبيان المرسوم، ويحتوي على صور يختار منها المبحوثين ما يُناسب إجابتهم، ويُستخدم فيما يتعلق بـ المبحوثين الأُميين، أو ذوي الاحتياجات الخاصة.

المقابلة:

وهي طريقة للحصول على المعلومات شفويًّا، وهناك الكثير من المزايا عند استخدام أداة المقابلة، ومن بينها التفاعل مع المبحوثين، وهو ما لا تُتيحه أدوات البحث الأخرى،

وتُعرف المقابلة على أنها أداة لجمع البيانات والمعلومات من خلال مباشرة المبحوثين وجهًا لوجه، وتستخدم في العلوم الاجتماعية بصورة موسعة،

ومن أبرز أنواع المقابلة كل من: المقابلة المهنية (مقابلات الوظائف)، والمقابلة العلاجية (تُستخدم من جانب الأطباء)، والمقابلة المسحية (للحصول على بيانات وقياسات للرأي العام أو أي عيِّنة دراسة).

الاختبارات:

وهي من بين الأدوات المهمة المستخدمة في المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية ،

وهي عبارة عن نماذج تُعدها بعض الجهات؛ للتعرف على توجهات مجموعة من المفحوصين، ومن ثم تضمين ذلك للبحوث العلمية.

الملاحظة:

تُستخدم أداة الملاحظة في جميع أنواع البحوث العلمية؛ سواء الاجتماعية أو الطبيعية،

وتُعرف على أنها توجيه للحواس البدنية والعقلية نحو تتبُّع الصفات والسمات المتعلقة بظاهرة، والحصول على المعلومات التي من شأنها الإجابة عن تساؤلات البحث، واختبار مدى صحة الفرضيات.

يوجد الكثير من تصنيفات الملاحظة: ومنها الملاحة البسيطة، والملاحظة المنتظمة (وذلك التصنيف من حيث عملية الضبط)، والملاحظة المباشرة وغير المباشرة (وذلك التصنيف من حيث التعامل مع الظاهرة)، والملاحظة بالمشاركة ومن دون المشاركة (وذلك التصنيف من حيث التقاء الباحث بالمبحوثين)، والملاحظة الفردية والملاحظة الجماعية (وذلك التصنيف من حيث القائمون بعملية الملاحظة).

ومن أهم الشروط الواجب توافرها في الملاحظة العلمية: أن يكون مخططًا لها سلفًا،

وأن يكون لدى الباحث الخبرات المناسبة لإجراء الملاحظة، وأن تتَّسم بالموضوعية بعيدًا عن تحيُّز الباحث،

وأن تكون مُنضبة، وغير عشوائية.

عن المدونة

مدونة موقع رسائل الماجستير و الدكتوراة تهدف الى انماء ثقافة الزائر بكل ما يختص بالمجال الاكاديمي و الدراسات العليا و مساعدة الطلاب من مختلف المراحل الدراسية. يشرف على المدونة اكادميين و مختصين بمجال الدراسة الجامعية و التعليم

اطلب خدمة 

تواصل معنا الآن لطلب الخدمة التي تبحث عنها من مجموعة خدمات موقع رسائل الماجستير و الدكتوراة

Subscribe to our newsletter!

More from our blog

See all posts
No Comments